الأونروا- بين التمويل المتقلب ومستقبل اللاجئين الفلسطينيين

المؤلف: علي هويدي09.18.2025
الأونروا- بين التمويل المتقلب ومستقبل اللاجئين الفلسطينيين

إثر صدور قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 302 بتاريخ 8 ديسمبر 1949، والذي نص على إنشاء وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، اتفقت الدول المؤيدة على أن يكون تمويل الوكالة معتمدًا على التبرعات الطوعية من الدول المانحة.

آنذاك، كان هذا الإجراء مُبررًا، حيث كانت الأونروا مُعدة لتكون وكالة ذات طبيعة مؤقتة لمدة عام واحد فقط، على أن ينتهي عملها وولايتها بعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم الأصلية داخل فلسطين المحتلة عام 1948، وفقًا للآليات التي وضعتها "لجنة التوفيق الدولية الخاصة بفلسطين"، وهي هيئة انبثقت عن قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194 الصادر في 11 ديسمبر 1948، الذي أكد على الحق في العودة والتعويض واستعادة الممتلكات، وشُكلت اللجنة من الولايات المتحدة وتركيا وفرنسا.

اقرأ أيضا

list of 2 items
list 1 of 2

بالصور.. رحلة مساعدات غزة من الإعداد إلى الإسقاط الجوي وما بعده

list 2 of 2

الأونروا تحذر من نقص حاد في حفاضات الأطفال بغزة

end of list

باشرت الأونروا برنامج الإغاثة بتوزيع المعونات على ما يقارب 750 ألف لاجئ فلسطيني في بداية شهر مايو/ أيار من العام 1950. وقد نص البند رقم 6 من قرار إنشاء الأونروا رقم 302 على أنه "ينبغي على الوكالة إنهاء عملية الإغاثة المباشرة في موعد لا يتعدى 31 ديسمبر/ كانون الأول 1950، ما لم تقرر الجمعية خلاف ذلك في دورتها العادية الخامسة". جاء ذلك بعد أن "خصصت الجمعية العامة مبلغ 33.7 مليون دولار، منها 20.2 مليون دولار للإغاثة المباشرة، إضافة إلى 13.5 مليون دولار لبرامج التشغيل".

التمويل التطوعي لم يعد كافيًا

مع تجاوز مرور خمسة وسبعين عامًا على تأسيس الوكالة وارتفاع أعداد اللاجئين الفلسطينيين المسجلين لديها إلى ما يزيد عن 6 ملايين لاجئ، موزعين على 58 مخيمًا رسميًا بالإضافة إلى المئات من التجمعات السكنية، ومع ازدياد الاحتياجات الإنسانية للاجئين الفلسطينيين، أصبح من الضروري إعادة النظر بشكل جذري في تفويض الأونروا وتحديد ميزانية ثابتة تتيح للوكالة القيام بمهامها وفقًا لولايتها، بدلًا من الاعتماد على التمويل الطوعي المتقلب الذي يخضع لأهداف وتطلعات الدول.

الدول لا تقدم الدعم بلا مقابل، فلكل منها مصالحه الخاصة. الأونروا ليست مؤسسة خيرية أو منظمة غير حكومية تسعى لجمع التبرعات من الدول المانحة، بل يجب أن تتولى الأمم المتحدة نفسها هذا الدور، فهي الجهة التي أنشأت الوكالة. مجرد تذكير الأمين العام بأهمية الوكالة ودعوة الدول المانحة إلى التبرع لها لا يكفي، فهذه الآلية متبعة منذ عقود دون أي تحرك جاد لتعديل ولاية الأونروا بحيث يصبح التمويل ثابتًا من الأمم المتحدة.

تداعيات وخيمة لعدم كفاية التمويل

من المفهوم أن تتخذ إدارة الأونروا إجراءات تقشفية في تقديم الخدمات نتيجة للعجز المالي، فمن غير المنطقي توقع تقديم جميع الخدمات في ظل نقص التمويل. لكن وصول الأمر إلى إصدار قرارات بوقف موظفين عن العمل بسبب عدم توفر الأموال الكافية، يُعد كارثة إنسانية وتطورًا غير مسبوق في تاريخ الأونروا منذ نشأتها.

في مطلع شهر فبراير/ شباط 2025، أصدر المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني، قرارًا بتعليق عمل حوالي 600 موظف من موظفي الوكالة في قطاع غزة، وغالبيتهم من العاملين في قطاع التعليم الذين يعملون عن بعد من خارج القطاع. وقد دخل القرار حيز التنفيذ مع بداية شهر مارس/ آذار 2025. من غير المقبول أن يتحمل الموظفون تبعات العجز المالي، وكان الأجدر بالمفوض العام البحث عن حلول بالتعاون والتنسيق مع الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، واللجنة الاستشارية للأونروا (التي تضم 29 عضوًا بالإضافة إلى دولة فلسطين وجامعة الدول العربية والاتحاد الأوروبي ومنظمة التعاون الإسلامي كمراقبين)، والمؤتمر العام لاتحاد الموظفين في الوكالة الذي يضم 30 ألف موظف.

وفي سياق منفصل، وخوفًا من انقطاع أو تراجع التمويل الأوروبي، وبشكل يخالف البروتوكول والإجراءات الإدارية المتبعة، قام المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني، شخصيًا بتوجيه رسالة إلى مديري مدارس الأونروا في الضفة الغربية المحتلة في الأول من فبراير/ شباط 2025، يطالبهم فيها، بأسلوب يحمل تهديدًا، بالتوقف عن تدريس مادة اللغة العربية لطلاب وطالبات الصف الخامس الابتدائي "واستبدالها بمواد التعلم الذاتي المعتمدة التي تم توفيرها كبديل خلال الفصل الدراسي (فبراير/ شباط – يونيو/ حزيران 2025)"، في حال عدم الامتثال.

الهدف المعلن من الرسالة هو "ضمان التوافق مع المناهج الدراسية والحفاظ على جودة التعليم"، أما الهدف الخفي فهو أن الكتاب يتناول قصة الشهيدة الفلسطينية دلال المغربي، بطلة عملية الشهيد كمال عدوان في العام 1978، والتي لقبت بـ "عروس يافا"، ويتحدث كذلك عن معركة القسطل واستشهاد القائد عبد القادر الحسيني، معتبرًا ذلك "مخالفة للحيادية" التي تدعو إليها الوكالة، وأن المادة "تعزز الكراهية" و"عدم التسامح".

الجدير بالذكر أن رسالة المفوض العام جاءت بعد تصريحات لسفير الكيان في الأمم المتحدة، داني دانون، الذي ذكر بالاسم كتاب الصف الخامس الابتدائي والشهيدة دلال المغربي.

كان من المفترض أن توجه رسالة المفوض العام إلى السلطة الوطنية الفلسطينية، وليس إلى مديري المدارس، فالسلطة الفلسطينية هي الجهة المسؤولة عن وضع المناهج الدراسية لمدارس الأونروا، والوكالة تلتزم بمنهاج الدول المضيفة، بما في ذلك السلطة الوطنية الفلسطينية.

التمويل الأمريكي للأونروا

في العاشر من نوفمبر/ تشرين الثاني 2016، وبعد يوم واحد من إعلان فوز الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وبتوجيهات من وزارة خارجية دولة الاحتلال، وجّه "مركز الشرق الأدنى لأبحاث السياسات" ومقره القدس رسالة إلى الإدارة الأمريكية باسم الرئيس ترامب شخصيًا، تتضمن خطة عمل للإدارة الأمريكية الجديدة لوقف الدعم المالي للأونروا، بدعوى أنها "تحرض على الإرهاب".

في 31 مايو/ أيار 2017، تولى مندوب الكيان لدى الأمم المتحدة، داني دانون، مهام نائب رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة لمدة عام، ومن صلاحياته التحكم في تحديد جدول أعمال الجمعية العامة. وقد استغل هذه الصلاحية في 4 أغسطس/ آب 2017 عندما حذف بند زيادة موازنة الوكالة من جدول أعمال الجمعية العامة، علمًا بأن مناقشة البند كانت مرشحة للحصول على موافقة أغلبية الدول الأعضاء.

وفي خطوة ابتزاز سياسي، صرحت سفيرة أمريكا في الأمم المتحدة حينها، نيكي هيلي، بتاريخ 2 يناير/ كانون الثاني 2018، بأن إدارتها "ستوقف الدعم المالي الذي تقدمه لوكالة الأونروا إذا لم تعد السلطة الفلسطينية إلى طاولة المفاوضات مع إسرائيل".

وفي 8 يناير/ كانون الثاني 2018، نقلت صحيفة "يسرائيل هيوم" العبرية تصريحات لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وصف فيها وكالة الأونروا بأنها "منظمة تتسبب في إدامة مشكلة اللاجئين الفلسطينيين وإدامة حق العودة الذي يهدف إلى إزالة إسرائيل، ولهذه الأسباب يجب إغلاقها"، وأنه "على الإدارة الأمريكية القيام بتقليص تدريجي لدعم الأونروا عبر تحويل الأموال إلى المفوضية العليا لشؤون اللاجئين".

وبتاريخ 14 يناير/ كانون الثاني 2018، صدرت تصريحات لمسؤولين في البيت الأبيض تفيد بأن الإدارة الأمريكية تعتزم تخفيض المبلغ المقرر سداده كدفعة أولى للأونروا من 125 مليون دولار إلى 60 مليون دولار، وبعدها أوقفت الإدارة الأمريكية تبرعها السنوي للأونروا، والذي كان يقدر بحوالي 360 مليون دولار، ويمثل ما يقارب ثلث الميزانية العامة.

جاءت إدارة الرئيس جو بايدن لإنقاذ الأونروا ماليًا وإعادة التبرعات إلى سابق عهدها. حتى أن التبرع الأمريكي للوكالة بلغ في العام 2023 أكثر من 422 مليون دولار، ثم عادت رئاسة ترامب الجديدة في مطلع العام 2025 إلى وقف التمويل.

وهكذا، اختلف التكتيك لكن الرؤية الإستراتيجية الأمريكية تجاه الوكالة ظلت ثابتة. فالإدارة الأمريكية، سواء كانت جمهورية (تعتمد أسلوب "القتل بالرصاص" وفق مفهوم التماهي مع الكيان) أو ديمقراطية (تلجأ إلى "القتل بالسم" وفق مفهوم التواطؤ والانحياز للكيان)، تتطلع إلى إلغاء البعد السياسي والقانوني للوكالة وإذابة اللاجئين في الدول المضيفة وتثبيت شرعية الكيان في النظام الدولي.

التمويل العربي للأونروا

في العام 2018، استطاعت الدول الخليجية الأربعة (قطر والسعودية والإمارات والكويت) إنقاذ الأونروا ماليًا، حيث تبرعت كل منها بمبلغ 50 مليون دولار. ومع ذلك، وعلى الرغم من المبالغ المدفوعة للوكالة، هناك تراجع ملحوظ من الدول العربية، إذ لم يتجاوز التمويل العربي في العام 2022 أكثر من 4% من الميزانية العامة، على الرغم من تعهد مجلس الجامعة العربية في سنة 1987 بمساهمة الدول العربية بنسبة 7.8% من الميزانية العامة للوكالة.

يستغل الكيان عملية التطبيع مع الدول العربية كأداة لتقويض الأونروا على حساب حقوق اللاجئين. ما يسمى باتفاق "أبراهام"، الذي تم توقيعه في أكتوبر/ تشرين الأول 2020، يصب في هذا المسعى. إنهاء وكالة الأونروا يشكل أحد الأهداف الملحة التي يسعى الكيان إلى تحقيقها ضمن إستراتيجيته الحالية للتطبيع.

وعلى الرغم من انضمام كل من العراق والجزائر إلى تمويل الأونروا في سنة 2024، وهو أمر بالغ الأهمية، إلا أن هناك انخفاضًا ملحوظًا في الدعم المالي الخليجي للوكالة، حيث تم التبرع بمبلغ 49,650,000 دولار في سنة 2022 ومبلغ 46,100,000 دولار في سنة 2023.

التمويل وسياسة الأونروا

منذ العام 2012، تعاني الأونروا من جمود مالي غير مسبوق وبملايين الدولارات، الأمر الذي أثر سلبًا على نوعية وكمية الخدمات المقدمة للاجئين، سواء في مجالات الصحة والتعليم والإغاثة أو في مشاريع البنية التحتية في المخيمات.

تحركات المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني، المكوكية بين دول العالم (أكثر من 60 دولة، بما في ذلك الصين وروسيا)، تعطي انطباعًا بوجود جدية في محاولة جمع الأموال اللازمة للأونروا لكي تستمر في تقديم خدماتها. ولكنه يدرك في الواقع أنه لن يحقق هدفه المالي طالما هناك رؤية إستراتيجية لتحطيم الوكالة والقضاء عليها، في ظل موازين قوى منحازة للاحتلال.

ليست المسألة مسألة عدم توفر المال للتبرع، فتكلفة ساعة واحدة فقط مما ينفق على الحروب المستعرة هنا وهناك كفيلة بتغطية ميزانية الأونروا وزيادة. الأزمة الحقيقية تكمن في توفر إرادة الإنفاق. لتعديل موازين القوى لصالح الوكالة وتمويلها الكامل لكي تتمكن من تنفيذ خططها وبرامجها، وللحفاظ على الدور الحيوي الذي تلعبه في قضية اللاجئين وحقهم في العودة، يتطلب الأمر تحركًا جادًا ومؤثرًا وفق خمسة مسارات متكاملة: شعبية وإعلامية ودبلوماسية وسياسية وقانونية، تكون قادرة على إعادة التموضع الحقيقي داخل الأمم المتحدة واستعادة الحقوق المشروعة.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة